بسم الله الرحمن الرحيم مع القرآن وتحصيل لذته ، وكما أنه لا يصلح أن تلمس جلد المصحف كل يد ، فلا يصلح لتلاوة حروفه كل لسان ولا لنيل معانيه كل قلب ، بل لابد أن يكون قلبًا طاهرًا . ماذا تعرفين عن القلب ؟ أغلب الناس لا يعرفون عن القلب سوى إنه تلك المضغة الحمراء التي تضخ الدم إلى بقية الأعضاء ، وبتوقفه يموت الجسد كله ، وقد يجهلون أن للقلب وظيفة حيوية أخرى باطنة بنفس خطورة ، بل أخطر من وظيفته الحيوية الظاهرة . فكما أن صحة القلب وقوته بها تكون صحة الجسد ، أيضًا بنور القلب واستقامته تكون سلامة الدين والروح . والقلب يتكوَّن من أربعة أجزاء : 1) الصدر .. 2) والقلب .. 3) والفؤاد .. 4) واللُب .. أما الصدر فهو الجزء الظاهر المواجه للعالم الخارجي ، فهو بالنسبة للقلب كالبياض بالنسبة للعينين ، وكالمسجد الحرام بالنسبة للكعبة . والصدر هو محل العلم ، كما قال سبحانه وتعالى : {بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] ومن خصائصه : أنه موضع الضيق والانشراح ، قال تعالى : {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 125] . والصدر إذا انشرح بشيء ضـــاق بضده ، كما قال الله سبحانه وتعالى : لنبيه صلى الله عليه وسلم {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ} [الحجر : 97] وقال على لسان نبيه موسى عليه السلام {وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء: 13] فصدور الأنبياء عليهم السلام تضيق من من كلام الكفر؛ لأن صدورهم تنشرح بكلام الله تعالى . وماذا عنك ؟! إذا لم يكُن صدرك ينشرح بذكر الله وبالقرآن ، فاعلمي أن ذلك بسبب انشراحه بأمور أخرى كالسيئات والذنوب والمعاصي . فهناك من لديه استعداد للكلام عن أي موضوع ؛ في الفن أو السياسة أو العلوم أو كرة القدم ، ولكن عندما يُذكر الله تعالى يضيق صدره ويطالب بتغيير الموضوع ، وذلك لأن قلبه مريــض ، فيضيق عند سماع كلام عن الله تعالى أو الجنة والنار أو القرآن ، قول الله تعالى : {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر: 45] والسبب في مرض هذا القلب : أن صاحبه إذا وقع في معصيةٍ ما ، فَرِحَ بها وانشرح لها صدره ، وحينها يتسلل الشيطان من صدره المفتوح إلى قلبه ، وهو الجزء الثاني من القلب . فإذا دخل الشيطان إلى القلب ولغ فيه ونجسَّهُ وجلس وتمكَّن ، فإذا نزل الذكر على القلب دفع الشيطان الذكر إلى حواشي القلب فلم يؤثر فيه . الآن ، هل عرفت لماذا لا يؤثر ذكر الله في قلبك ؟! فنحن بحاجة إلى أن نطرد الشيطان من قلوبنا ؛ حتى يصل إليها القرآن وتنتفع بكلام الرحمن . كيف نطرد الشيطان من قلوبنـــا ؟ أولاً : إعتقادك أنه لن يطرد الشيطان من القلب إلا الله . فالشيطان ملازمٌ لك ليل نهار ، ويراك من حيث لا تراه ؛ لذلك يعرف نقاط ضعفك وقوتك وكيفية خداعك والإيقاع بك ، ولن تستطيعي أن تنجي من كيد الشيطان إلا إذا استعنت بالله تعالى أولاً ، قال تعالى : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء : 83] فالجأي إلى الله عزَّ وجلً ّ؛ ليعصمك ويحفظك من الشيطان الرجيم . قال تعالى : {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (*) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف : 200,201] ثانيًا : كراهية الشيطان وعداوته . فابدأي بمحاربة الشيطان واتخذيه عدوًا لك ، قال تعالى : {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6] . ثالثًا : كثرة ذكر الله . فأكثري من ذكر الله في جميع أوقاتك وأحوالك ؛ من الإستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقول سبحــــان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول وقوة إلا بالله وغيرها من الأذكار . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان : لا مبيت لكم ولا عشاء ، وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء" [رواه مسلم] .. فإذا ذكرت الله عند دخولك البيت ، اعتزلك الشيطان ولم يدخل معك ، وجميع ما في البيوت من مشاكل وخلافات سببها وسوسة الشياطين ، فحصِّن بيتك ونفسك بكثرة ذكر الله . رابعًا : القرآن ، وليس شيئًا يطرد الشيطان مثل القرآن ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة" [رواه مسلم] وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان يفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة" [رواه مسلم] . طهري قلبك وبيتك بالقرآن ، وحينما تطردين الشيطان ، سينشرح صدرك وقلبك بذكر الله وتستمتعين بلذة وحلاوة القرآن .