بسم الله الرحمن الرحيم إن أعظم هدية يقدمها والدٌ إلى ولده ، وأعظم إحسان يسديه إليه ؛ أن يُربيه على مفاتح تدبُّر القرآن منذ الصغر حتى يتسلَّح بالقرآن في هذا العصر الذي كَثُرَت فيه الفتن، وانتشر فيه القلق والملل، وزادت الأمراض النفسية ، وضَعُفَت النفوس عن تحمُّل المصائب ، وصار الناس يبحثون عن التسلية والترويح عن النفس بوسائل شتى ، حتى أرهقتهم بدنيًا وماليًا ووصلوا معها إلى طريق مسدود . إن من ينشأ على القيام بالقرآن ، فإنه ينشأ قوي النفس ، قــــوي البدن ، ثابت الخطى ، يشق طريقه في الحياة بلا مخاوف ولا مشاكل بإذن الله تعالى ؛ لأنه يجد التفسير الواضح الثابت لكل المواقف التي يمر بها في الحياة ، ولكل المناهج والأطروحات التي تتنافس في إثبات وجودها ومازلنا نسمع ونرى صورًا ومآسي لانحرافات فكرية وخُلُقية تحصل من أبناء المسلمين ، وما ذاك إلا بسبب التفريط في الربط بالقرآن حبل الله المتين ، الذي ما ضلَّ من تمسَّك به ، والتمسك به لا يكون أبدًا إلا بما سبق بيانه من وسائل ومفاتيح للتدبُّر . إن هذا أسهل وأقصر الطرق في تربية الأولاد لمن وفق إليه وقدر عليه، أما من حرمه فإنه سيظل حبيس تجارب وطرق وأفكار لا أول لها ولا آخر ، تجارب ووسائل متباينة ومكلفة وصعبة التطبيق ، وضعيفة النتائج ، وهشة البناء لا تصمد للمواقف الصعبة واللحظات الحرجة . تذكَّر أنك حين تربي ابنك منذ الصغر على مفاتح تدبُّر القرآن ، فإنك تُثَبِت في قلبه رقيبًا يصحبه أينما ذهب وفي كل وقت ، وحينها لا تحتاج أبدًا إلى مراقبته ومتابعته ؛ لأن رقيبه مثبت في صدره وبقوة ، فتنام بذلك قرير العين وتجني ثمرة ما زرعته في قلبه في سنوات حياته الأولى . إن تربية الطفل على النجاح بالقرآن يكون حسب الخطوات التالية : 1) الحفظ التربوي للفاتحة ودعاء حب القرآن . 2) الحفظ التربوي لمقدار من القرآن الكريم ولو كان قليلاً . 3) الحفظ التربوي للنصوص التي تُبين عظمة القرآن الكريم ومنهج التعامل معه بالتدريج والتكرار . 4) التدريب على صلاة النافلة بالتدريج والتشجيع ؛ حتى تسهل عليه ويتعوَّد عليها . والحفظ التربوي للقرآن : هو الحفظ المتقن لألفاظ القرآن الكريم وحفظ معانيه بقوة تُيَّسِر استدعاءه عند كل أمر من أمور الحياة ، بحيث يبقى حاضرًا حيًا في القلب على مدار الساعة مما يضمن تطبيقه والعمل به . [الحفظ التربوي للقرآن وصناعة الإنسان] ويمكن في الأسرة أو الحلقة أن يدعم هذا الأمر بكثرة المدارسة لمثل هذه النصوص بشكل حلقات نقاش تناسب صغار السن ، أو مسابقة ، بحيث تسأل من يحفظ حديث كذا ؟ ما معنى كذا ؟ ماذا نستنبط من هذه الآية ؟ ماذا نفهم من هذا الحديث وهكذا في عملية إعلامية مستمرة لا تهدأ حتى تورق الأشجار ، وتنضج الثمار . قد يواجه المربي صعوبة في تطبيق ما ذُكِر مع بعض الناشئة ، وهذا متوقع لأن ما يقوم به هو أمضى وأقوى بناء تربوي، وهناك عدو متربص بمن يسلك هذا الطريق كما أخبرنا الله تعالى عنه إذ يقول : {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] . فعلى المربي الصبر والثبات حتى يحصل النصر ، وعليه بكثرة التضرع إلى الله تعالى أن ييسر له هذا الأمر ، وعليه بكثرة الرقية بالقرآن لمن كان هذا شأنه ؛ حتى يلين وينقاد بإذن الله تعالى . إن القرآن أُنْزِل موعظةٌ للناس وشفاءٌ لما في الصدور وهدىً ورحمة .. فارحموا أولادكم بتربيتهم على القرآن .. إنه لتقصيرٌ عظيم أن ننظر إلى أولادنا يكبرون يومًا بعد يوم ، ويخرجون إلى الحياة وهم فارغون من القرآن لا يعرفون قدره ، ولا كيف يتعاملون معه، ولا يحفظون منه شيئًا ، ولم يتدربوا على القيام به ! إنهم في صغرهم مطيعون سهل قيادتهم ، فهل نهملهم حتى إذا كبروا وبدأت تظهر منهم ثمار إهمالنا وتقصيرنا ذهبنا نفتش عن الحلول ، ونبحث عمن يسعفنا وذلك بعد فوات الأوان ؟!! ارحموا أطفالكم بتربيتهم على القرآن ، على الهدى الذي أنزله الله رحمة وهداية لهم ؛ لكي يفهموا الحياة فهمًا سديدًا صحيحًا فلا يضلوا ولا يشقوا ولا يتعبوا في هذه الحياة بعد أن يكبروا رسالة إلى كل معلم ومعلمة في العالم أخي المُعلِّم ، أختي المُعلِّمة : يا من يسَّر الله لكم قلوب الناشئة ، تسمع لكم وتطيع ، وترى فيكم القدوة الحسنة ، والمثل الذي يحتذى . عليكم أن تسعوا جاهدين في الترسيخ لدى الناشئة علماً وعملاً أن نجاحهم وسعادتهم وقوتهم بهذا القرآن العظيم وَجِّهوهم إلى كيفية القيام بالقرآن ، وعلِّموهم أنه الطريق لتثبيت معانيه العظيمة في القـلوب ، علِّموهم كيف يدعون الله تعالى أن يرزقهم حب القرآن ، وأن يفتح لهم كنوزه ، وأن يضيئ لهم أنواره ، وضِّحوا لهم بتفصيل واستمرار أن الحياة بدون القرآن العظيم شقاء وضلال وضياع ، وأن الله تعالى أنزل هذا القرآن العظيم رحمة وهدى للعالمين . تفقدوهم بين الحين والآخر ، وراقبوا تفاعلهم مع ما تعلموهم إياه في هذا الأمر المهم في حياتهم . إنهم بذلك يكونون حسنة من حسناتكم، وغرسًا من غراسكم ، تسعدوا وتسروا حين ترونهم سعداء ، ترونهم نافعين مؤثرين في أمتهم .