بسم الله الرحمن الرحيم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الإيمان ليخلق (أي : يبلى) في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" [رواه الطبراني وصححه الألباني] فقلوبنا قد تَعِبَت من كثرة الفتن والمعاصي التي تتعرض لها طوال العام ، وتحتاج إلى أن تُجدد الإيمان بداخلها ، وها قد أتت الفرصة لكي نُجدد إيماننا ونتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ ، إنه يوم عرفة ، أعظم يوم في أعظم أيـــام الدهر . فيوم عرفة يوم تجاب فيه الدعوات وتقال فيه العثرات ، يوم عظَّم الله أمره ورفع على الأيام قدره . فهو أعظم فرصة للعتق من النيران ، وعن عائشة قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول ما أراد هؤلاء" [رواه مسلم] فنسأل الله تعالى أن يعتق رقابنا من النار . ولكن لن ينال هذه الجائزة العظيمة إلا من أخرج الدنيا من قلبه وجعل همَّه همَّا واحدًا ، ألا وهو همّ الآخرة . يوم عرفة .. فضائـــل وأعمـــال الفضيلة الأولى : هو اليوم الذي أكمَّل الله تعالى فيه الدين وأتمَّ علينا نعمته . عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب : أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرءونها لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، قال : أي آية ؟ قال : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا } [المائدة : 3] قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم جمعة . [صحيح البخاري] فيوم عرفة هو يوم عيد للمسلمين ، عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب" [رواه الترمذي وأبو داوود والنسائي وصححه الألباني] وحيث إنه عيد ، فيلزم منا عبوديتــــان . 1) عبودية الشكر ، فعليك أن تلهَّج بالحمد والثناء على الله تعالى طوال الوقت ، شكرًا لله عزَّ وجلَّ على أن بلغك يوم العتق الأكبر على الرغم من عدم استحقاقك لذلك . 2) عبودية الفرح ، قال تعالى {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس : 58] وعندما يمتلأ القلب فرحًا بفضل الله ، يُسكب فيه حُب الرحمن فيطهُّر القلب . الفضيلة الثانية : اليوم الذي أخذ الله تعالى فيه الميثاق على ذرية آدم . عن ابن عباس : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا ، قال {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف : 172,173]" [رواه أحمد وصححه الألباني] فهذا هو اليوم الذي فطَّر الله سبحانه وتعالى فيه بني آدم على الفطرة السليمة التي تهتدي إلى الحق ، فطرة الإسلام والتوحيد . فينبغي علينا أن نحمد الله عزَّ وجلَّ على نعمة الإسلام ، ونستشعر عظمة الإسلام وفضل الله علينا بنعمة الهداية إلى الصراط المُستقيم ، وغيرنا كثير يتخبَّط في ظلمات الكفر والضلال المُبين . الفضيلة الثالثة : أقسَّم الله تعالى بهذا اليوم العظيم مرتين . القسم الأول في سورة البروج ، حينما قال تعالى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج : 1,3] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "اليوم الموعود : يوم القيامة ، واليوم المشهود : يوم عرفة ، والشاهد : يوم الجمعة " [رواه الترمذي وحسنه الألباني] والله سبحانه وتعالى عظيم ولا يُقسم إلا بعظيم . والقسم الثاني ورد في سورة الفجر ، يقول تعالى { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر : 1,3] قال ابن عباس (تُرجمان القرآن) "الشفع يوم الأضحى، والوتر يوم عرفة" فعليك أن تُعظِّم هذه الأيام المُعظمات ، ولن تؤتى ذلك إلا بالبذل والتضحية ، الذي يتمثل في قصة أصحاب الأخدود ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" [رواه مسلم] فمن سيبيع نفسه لكي يُعتَق يوم العتق الأكبـــر ؟! فعليك في هذا اليوم أن تبذل أغلى ما تملُك لكي تفوز بجائزة العِتق ، فتتصدق بصدقة كبيرة ، ولا تنام من الفجر إلى المغرب ، وعليك أن تختم القرآن هذا اليوم . الفضيلة الرابعة : صيامه يُكفِّر العام الماضي والقادم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " [رواه مسلم] قال بعضهم "القلوب جوالة فقلب يجول حول العرش وقلب يجول حول الحش"، الحش أي : القاذورات وهي الدنيا الملعونة . فعليك أن تنكسِر وتذِل لله وتُخرج الدنيا من قلبك ، لكي تصلُح للتقرب من ربِّك عزَّ وجلَّ في هذا اليوم العظيم . اللهمَّ ارزقنا قلوبًا جديدة طاهرة صالحة لعبــادتك يـــــــــا ربَّ العالمين