يقول جدي عبد الله في إحدى السنين كنت وأخي محمد نقوم بزراعة أرضنا في قريتنا ، وتحتاج الإبل التي نستخدمها لإخراج الماء إلىتوفير الأعشاب والأعلاف لها ، ومكان ذلك ( المستوي ) وهو أرض خصبة واسعة تنحدر إليها الأمطار عند نزولها على الجبال والأراضي الصخرية المجاورة ، ويقع مابين نفود الثويرات شرقا وبين جبال الشماسية غربا ، وبصفتي الأصغر سنا بالنسبة لأخي محمد كنت أذهب إلى البرية وأقوم بجمع الأعشاب والحشائش وجلبها إلى القرية ، وفي إحدى الليالي كنت نائما في البرية وإذا بالتراب يحثى على رأسي فاستيقضت وجلست لأستطلع الأمر فإذا بصوت ركض حيوان يهرب ، فخفت ولم يأتني النوم ، وفي هذه المرة أفاجأ برغاء ناقتي في مبركها ، فأردت استجلاء الأمر إلا أنه لم يكن بقربي حطب أوقده لأرى ماحولي إلا بعض شجيرات الشيح فأوقدتها ، وإذا بأربعة ذئاب أو خمسة تتحرش بالناقة ، وكان لدي بندقية لكنها تحتاج إلى إعدادها فيما لو أطلقت ما ببطنها من ذخيرة ، وقد تعاجلني الذئاب بالهجوم فيما لو أخطأت اصطيادها أو أصبت أحدها بإصابة غير قاتلة ، وهذه البندقية من نوع ( مقمع ) نسبة إلى القمع الذي يشعلها إذا ضربه الزناد ، وحينما كبرت النار من حولي بدأت الذئاب تتراجع حتى ابتعدت ثم اجتمعت على بعد مرمى البندقية ، وربما لتضع خطة للهجوم علي ، وكانت بندقيتي قد جهزت بذخيرة للصيد " عبارة عن مجموعة من الرصاص الصغير يطلق عليها اسم احلبي " ، فأضفت إلى ذلك رصاصة كبيرة يطلق عليها اسم " درج " ، وأطلقت على الذئاب ما ببطن بندقيتي فهربت ، وربما أصبت أحدها ، ولمعرفتي بأن الذئب غدار ـ حسب ما نسمع من قصص الذئاب ـ فكيف بمجموعة من الذئاب الجائعة ، لم يطرق عيني النوم فقلت لنفسي لماذا لا أعد قهوة وأتسلى بها لحين طلوع الفجر ، وما أبطأها من ليلة ظلماء ، ومن الخوف كنت أرهف السمع ، فإذابي أسمع صوت حافر قادم فاستبشرت خيرا وقمت واقفا أستجلي الأمر على ضوء الشفق بعد طلوع الفجر بقليل ، فرأيت شخصا راكبا على حمار فاعترضته فإذاهو شخص أعرفه يقال له ( عبيد الكلما ) بفتح الباء وتشديد الياء المكسورة وكسر الكاف واللام وتشديد الميم ، ففرحت به وقلت له مازحا : لماذا لم تأت مبكرا ؟ فقد كادت الذئاب أن تفترسني ، قال : أصدق هذا ؟ قلت إي والله ، قال : والله لو علمت لما جئت إليك ـ مازحا ـ تناولنا القهوة والتمر وصلينا الفجر جميعا ، قلت له : هيا لنقص أثر الذئاب التي ذكرت لك ، وأبصرنا بعيدا أثر جثة لم يبق منها إلا عظامها وهي طرية ، فعلمت بأني قد أصبت أحدها فأكله رفاقه من الذئاب.والله المستعان لكم خالص الأمنيات وأرقها القصة / منقولة