ول بدعة ظهرت في الإسلام : وأمَّا أوّل التفرق والابتداع في الإسلام ، فكان بعد مقتل عثمان بن عفان-رضي الله عنه-، وافتراق المسلمين ، فلما اتفق علي بن أبي طالب ومعاوية- رضي الله عنهما-على التحكيم، أنكرت الخوارج، وقالوا: لا حكم إلا الله، وفارقوا جماعة المسلمين، فأرسل إليهم ابن عباس- رضي الله عنهما- فناظرهم فرجع نصفهم، والآخرون أغاروا على ماشية الناس ، واستحلوا دماءهم ، فقتلوا ابن خباب ، وقالوا:كنا قتله ، فقاتلهم على- رضي الله عنه-. وأصل مذهبهم –الخوارج – تعظيم القرآن وطلب اتباعه ، لكن خرجوا عن السنة والجماعة ، فهم لا يرون اتباع السنة ، التي يظنون أنها تخالف القرآن ، كالرجم ونصاب السرقة وغير ذلك .... فضلُّوا ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أعلم بما أنزل الله عليه ، والله قد أنزل عليه الكتاب والحكمة ، وجوزوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون ظالماً، فلم ينقادوا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم ،ولا لحكم الأئمة بعده ، بل قالوا : إن عثمان وعلياً ومن والاهما قد حكموا بغير ما أنزل الله{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}205 فكفَّروا المسلمين بهذا وبغيره ، وتكفيرهم وتكفير سائر أهل البدع مبني على مقدمتين باطلتين: إحداهما : أن هذا يخالف القرآن . والثانية : أن من خالف القرآن يكفر ، ولو كان مخطئاً ، أو مذنباً معتقداَ للوجوب والتحريم ، وبإزاء الخوارج ظهرت الشيعة . غلوا في الأئمة وجعلوهم معصومين ، يعلمون كل شيء ، وأوجبوا الرجوع إليهم في جميع ما جاءت به الرسل ، فلا يعرجون لا على القرآن ولا على السنة ، بل على قول من ظنوه معصوماً . وانتهى الأمر إلى الائتمام بإمام معدوم لا حقيقة له ، فكانوا أضل من الخوارج .فإن أولئك يرجعون إلى القرآن وهو حق وإن غلطوا فيه ، وهؤلاء لا يرجعون إلى شيء بل إلى معدوم لا حقيقة له ، ثم إنما يتمسكون بما ينقل لهم عن بعض الموتى ، فيتمسكون بنقل غير مصدق ، عن قائل غير معصوم ، ولهذا كانوا أكذب الطوائف. والخوارج صادقون فحديثهم من أصح الحديث ، وحديث الشيعة من أكذب الحديث206 205 - سورة المائدة: الآية44. 206 - يراجع : مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (13/208، 209) ، وكتاب الفرقان بين الحق والباطل لابن تيمية ص(226،227) . من كتاب البدع الحولية