بسم الله الرحمن الرحيم ما هو الطريــق الواحد إلى الله عزَّ وجلَّ ؟ الطريق إلى الله : بــاتباع سُنَّة نبيه محمد ... إنَّ الطريق الوحيـــد الموصل إلى الله تعالى ، هو : اتباع السُّنَّة قولاً وفعلاً وعزمًا وعقدًا ونية ؛ لأن الله تعالى يقول : {.. وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ..} [النور : 54] بأن تعاهد نفسك على أن تكون أكثر امتثالاً للنبي وتتأسى به في أقواله وأفعاله وأخلاقه ، وتعلم علم اليقين أن ما كان عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم هو الحقُّ المبين . وإن قيل : كيف الطريق إلى السُّنَّة ؟ يتلخَّص الطريق إلى اتبــاع السُّنَّة والتمسك بها في خمسة أمور : 1) مجانبة البدع ، وهنا ينبغي معرفة البدعة وحدودها ؛ حتى يتم إجتنابها دون إفراط أو تفريط . 2) اتباع ما اجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام . 3) التباعد عن مجالس الكلام وأهله ، فتبتعد أقصى ما يكون عن أهل الزيغ والأهواء ؛ لأن أي شبهة بسيطة منهم قد تلوِّث قلبك ويصْعُب عليك إزالتها ، فاعرف الحق ، والزم أهله . 4) لزوم طريقة الإقتداء ، وبذلك أُمِرَ النبي في قوله تعالى : {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل : 123] ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الإقتداء بالنبي ، يضل من حيث أنه مهتدٍ . وطريــق السُّنَّة واضح أبــلج عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي : أنه سمع العرباض بن سارية يقول : وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب ، فقلنا : يا رسول الله ، إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟ قال :"قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدًا حبشيًا ، فإنما المؤمن كالجمل الأُنُف (أي : المُطيع) حيثما قيد انقاد" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني ، صحيح الجامع (7818)] فما عرفت من السُّنَّة التزم به وسيكفيك ، والله الهادي إلى سواء السبيــل . يقول أبو بكر الطمستاني : "الطَّرِيقُ وَاضِحٌ وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَائِمَةٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، فَمَنْ صَحِبَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَعَزَفَ عَنْ نَفْسِهِ وَالْخَلْقِ وَالدُّنْيَا وَهَاجَرَ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ فَهُوَ الصَّادِقُ الْمُصِيبُ الْمُتَّبِعُ لِآثَارِ الصَّحَابَةِ ؛ لِأَنَّهُمْ سُمُّوا السَّابِقِينَ لِمُفَارَقَتِهِمُ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ الْمُخَالِفِينَ وَتَرَكُوا الْأَوْطَانَ وَالْإِخْوَانَ ، وَهَاجَرُوا وَآثَرُوا الْغُرْبَةَ وَالْهِجْرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَالرَّخَاءَ وَالسَّعَةَ وَكَانُوا غُرَبَاءَ فَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ وَاخْتَارَ اخْتِيَارَهُمْ كَانَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ تَبَعًا" [حلية الأولياء (13:382)] من أعظم أسباب الضلال عن السبيــل : الكبـــائر والذنـــوب العظام يقول الحافظ ابن رجب : "وعلى جنبتي الصِّراط يمنة ويَسرة سوران ، وهما حدودُ الله ، وكما أنَّ السُّورَ يمنع من كان داخله مِن تعدِّيه ومجاوزته ، فكذلك الإسلامُ يمنع من دخله من الخُروج عن حدوده ومجاوزتها ، وليس وراءَ ما حدَّ الله من المأذونِ فيه إلاَّ ما نهى عنه ؛ ولهذا مدح سبحانه الحافظينَ لحدوده ، وذمَّ من لا يعرف حدَّ الحلال من الحرام" [جامع العلوم والحكم (32:15)] فاحذروا من تجاوز حدود الله ومحارمه كيـــف يمكن تأسيـــس الإيمان اللازم للسير على الطريق ؟ قال تعالى : {.. لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (*) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (*)لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 108,110] فوضحت لنا الآيــات خمسة أسس ينبغي أن تؤسس عليها إيمانك : 1) تطهير القلب وتخليته من رواسب الجاهلية . 2) التقوى والرضوان . 3) اليقين والثقة في موعود الله عزَّ وجلَّ . 4) التوبــــة النصوح {.. إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ..} 5) البذل والتضحية { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ..} [التوبة: 111] صفات السائريــــن على طريق الحقَّ وللسائرين على طريق الحقِّ صفات تميزهم عن غيرهم ، قد وصفها الله في قوله تعالى : {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة : 112] 1) التوبـــة . 2) العبــادة ، وتشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، من علمٍ وعمل . 3) شكر النعمة ، ولن يمتثل الإنسان لأمر الشرع ، إلا إذا تأمل نِعَم الله تعالى عليه وشكره عليها ، كما بيَّن الله تعالى { كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (*) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس : 23,24] 4) مجاهدة النفس وطلب العلم . 5) المحافظة على الفروض والإكثار من النوافل . 6) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . 7) المحافظة على حدود الله ، باتبـــاع أوامره واجتنـــاب نواهيه . الطريــق مليء بالعوائـــق ، ولابد فيه من البـذل والتضحيـــة .. فإيــــاك أن تظن أنه بمجرد التزامك بأوامر الشرع واجتناب نواهيه ، أنك قد عرفت طريق الهداية وأنك ستجد الحيـــاة بعدها ميسورة وستعيش في رخـــاء !! سأل رجل الشافعيَّ فقا ل: يا أبا عبد الله ، أيما أفضل للرجل أن يمكَّن أو يُبتلَى ؟ فقال الشافعي : لا يمكَّن حتى يُبتلَى ، فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامُه عليهم أجمعين ، فلما صبروا مكَّنَهم ، فلا يظن أحدٌ أن يخلص من الألم البتَّهَ [الفوائد (1:229)] أما وقد عرفت أن الطريق إلى الله واحد ، وهو واضحٌ وميَّسَر .. فاستقِم عليه ولا تتلوَّن . دخل أبو مسعود على حذيفة ، فقال :" اعهد إلي " فقال : "ألم يأتك اليقين ؟ قال : "بلى ، وعزة ربي" قال : "فاعلم أن الضلالة حق والضلالة أن تعرف ما كنت تنكر ، وأن تنكر ما كنت تعرف ، وإيــــاك والتلون في دين الله تعالى ، فإن دين الله واحد" [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (101)] هدانا الله وإيـــاكم إلى ســواء السبيــــل